اليوم مساءا تنتهى الدورة السابعة والعشرين من مهرجان طهران للفيلم القصير بايران. وقد أسعدنى الحظ لأكون أحد أعضاء لجنة تحكيم هذا المهرجان الذى عرض فى مسابقاته المختلفة نحو مائة فيلم فى فئاته الاربع : التسجيلى والروائى القصيروالتحريك والافلام التجريبية. وقد كانت تلك الرحلة هى رحلة المفاجئات لى بكل المقاييس. فايران هى سر مغلق للكثيرين فى العالم سواء لعداء الغرب لها بسبب امتلاكها امكانات نووية ضخمة أو للصورة التى تحاول أمريكا ترسيخها عنها كسجن مغلق لبشر متشددون. أو بسبب اتباع أغلب سكان ايران المذهب الشيعى وما يروجه الكثيرين من خرافات غير حقيقية عن الشيعة تجعل المسلمين السنة -وهم الأغلبية- الى الخوف من الشيعة والابتعاد عنهم. لذا شحذت اسلحة اليقظة والتأمل لسبر اغوار هذا البلد مثار الجلد الذى يدب بجذوره فى حضارة الفرس القديمة التى كانت من أعظم حضارات العالم وأعطت البشرية الكثيروالكثير.ومنذ اللحظة الأولى وجدت ادارة المهرجان تبذل جهدا كبيرا لتسهل اكتشاف ايران للجنة التحكيم بدون حواجز خاصة وأن اللجنة ضمت سينمايين كبار يملؤهم فضول أضخم للمعرفة وعلى رأسهم المخرج والكاتب الأمريكى الشهير دانى شكتر والمعروف بدفاعه الكبيره عن قضايا حقوق الانسان وتعرضه بسبب ذللك للكثير من الاضطهاد من شبكات تلفزيونية كبرى عمل بها مثل السى ان ان. ومن أشهر افلامه ( أسلحة الاحباط الشامل) عن أكاذيب وسائل الاعلام الامريكية فى موضوع احتلال العراق. وضمت اللجنة أيضا المخرج الاسترالى حاصد الجوائز العالمية وين كولز جانيس ومن أشهر أفلامه (فى ظل سعف النخيل) عن الحياة فى العراق فى عصر صدام ووقت الاحتلال وبعد عام منه. وضمت أيضا الأكاديمى الألمانى هانز شليجل الذى كان من أهم مسئولى مهرجان برلين سابقا ومن أهم مؤلفى الكتب السينمائية الألمانية. وأيضا المنتج الكوبى خورخى عمر نائب رئيس التلفزيون الكوبى ومن ايران المخرج الشهير شهريار بحرانى الذى يعرض له الان بايران بنجاح ضحم فيلمه عن النبى سليمان وأخيرا محمد عباسيان مدير شركة توزيع الأفلام الأيرانية.خضنا ومعنا المخرج العربى الكبير عباس أرناؤوط -رئيس جائزتى أفضل فيلم اسيوى واسلامى- رحلتان جميلتان.الأولى لاكتشاف المبدع والملهم والمؤثر فى أفلام المسابقة والثانية لاكتشاف طهران خاصة وطبيعة الحياة فى ايران بشكل عام.وقد سعدنا كثيرا بكم الحميمية والدفء الذى عاملنا به كل من قابلناه.ثمة لطف انسانى حقيقى فى الأيرانيين لا تستطيع أن تخطؤه. الحياة بكل أشكالها والوانها تعلن عن نفسها هنا.فالمدينة المزحمة التى يعيش بها حوالى اربعة عشر مليونا مريحة فى اكثر من جانب. لاضجيج ولا سلوكيات شارع بغيضة. أحياء شديدة النظافة والشعبى منها يسعد النفس بتخطيطه المعمارى الأنيق. مطاعم على كل شكل حتى المطعم الكوبى زرناه.ووجد شكتر الأمريكى محل للزبادى المثلج أقسم بأنه أفضل من بينك بيرى الأمريكى الذى يدمن منتجاته. أغلب الناس يؤدون عملهم بهدوء وبأدب غير مصطنع. وقوات البوليس لا تلحظ أيا منها بالشارع. حتى النساء فالقليل منهن ترتدى الشادور الاسود الذى يغطى الجسم كله أما الأغلبية فترتدى ملابس على الموضة وتضع ماكياجا لافتا وان كان لابد من بالطو نصفى يغطى الأرداف لكن غطاء الرأس مجرد طرحة غالبا تكشف ثلثى الشعر لا تبدو أكثر من أنها( ايشارب شيك).والنساء هنا تحدثن معنا بكل حرية وبانجليزية طليقة حتى أننا عندما زرنا مدينة أصفهان التى تلقب بنصف جهان لأنها تقع جغرافيا فى منتصف العالم بالضبط, بادرتنا فتيات فى العشرينات للحديث ونحن نزور ميدان الامام الشهير الذى تنتشر فيه المواقع التاريخية وحيث يوجد معقل السجاد الايرانى الشهير.و المتعلمون هنا ألمعيون وأذكياء بدرجة كبيرة لهذا تجد ايران تصنع أغلب منتجاتها لكنها تسمح بالاستيراد والتجارة الحرة حيث تمتلئ طهران بالمنتجات الأجنبية من الكوكا الكولا الى العسل الاسترالى. وايران لمن لا يعرف تحولت عام 1979 من نظام ملكى الى جمهورية اسلامية بنظام الاستفتاء قادها الامام الخومينى الذى كان مرشد الثورة ومنزلته فى الحوزة الشيعية أية الله العظمى بسبب ما اكتسبه من علم.وتبعه فى المنصب بعد وفاته الامام خامنئى.وترى صورهما فى كل مكان لما لهما من تقدير فى قلوب الأغلبية.حتى الذى عارضوا رئيس الدولة الأحمدى نجاد فى انتخابات الرئاسة العام الماضى لم يجرئوا على انتقاد خامنئى الذى دعمه.وطبعا لايران عداء واضح مع أمريكا ورفض دائم للهيمنة الامريكية السياسية والعسكرية والاقتصادية على العالم لكننا بعد ثلاثين عاما من الثورة لا نستطيع أن نقول أن نقول أن نقول أن الايرانيون منغلقون.فالمائة ستة وعشرون قناة تلفزيونية التى تصدر من ايران بها افلام امريكية ومن هو ممنوع منها موجود فى السوق السوداء هناك التى تجد بها بسهولة كل شيئ وأى شيئ عن حق. حتى المهرجان الذى نحضره فهو فى الدورة السابعة والعشرين له ومهرجان فجر الذى يقام بشهر فبراير وهو المهرجان الأكبر فى ايران فسوف يحتفل بدورته التاسعة والعشرين. أى ان الثورة الاسلامية هى التى أنشأت المهرجانين وهى التى صنعت النهضة السينمائية الكبيرة بايران حيث لا يخلو مهرجان دولى كبير من فيلم ايرانى هام واصبح المخرجين الايرانيين مصنفين من أهم مخرجى العالم ومخرجين عظماء كالنمساوى مايكل هانيكاه والالمانى هرتزوج يرون السينما الايرانية من أهم السينمات فى العالم متنوعة الاساليب. ولهذا فقد امتلأت القاعات الكبرى الثلاثة بسينما فلسطين مقر عروض المهرجان بالجمهور من كل الأعمار. وكانت من أهم أفلام المهرجان الألمانى ( رحلة بلا عودة) المستوحى من قصة حقيقة للاجئى سياسى سودانى تم ترحيله بالقوة رغم عنه من المانيا رغم أنه لم يرتكب أى جرم وتم معاملته بعنف الى درجة قتله فى الطائرة من البوليس بسبب صراخه انه لا يريد العودة للسودان.ومن أجمل أفلام الرسوم المتحركة البولندى كينماتوجراف عن المخترع الفرنسى لوى لوميير وهو يخترع السينما وينسى مرض زوجته بالسل وتموت بين يديه بسبب عدم مسارعته لعلاجها.أما ما لفت الأنظار فهو الفيلم الفرنسى مرض الحرب الذى يقدم لقطات مجمعة تظهر الخمس دول الكبرى التى تنتج السلاح للعالم وتصدره للاخرين وتتسبب فى الحرب وعلى رأسها أمريكا وفرنسا وألمانيا وانجلترا رغم أنها نفسها كانت فى طليعة من وقعوا عام 1948 على الاعلان العالمى لحقوق الانسان. ورغم ان ما أعجبنى شخصيا كانت الأفلام ذات المنحى السياسى لكن الغالب فى المهرجان كانت الافلام ذات الطابع الانسانى أو التجريبى واللافت للنظر غلبة الافلام الاوروبية فى المسابقة وعدام وجود أى افلام عربية أو خليجية أو حتى من جنوب شرق اسيا.أما السينما الايرانية وتأثيرها على الشعب هناك فلها حديث اخر.
رسالة طهران: أحمد عاطف
Friday, November 26, 2010
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment