كتب : صبري سراج
شهد مركز الإبداع الفني بدار الأوبرا المصرية أمس عرض الفيلم المصري "الغابة" للمخرج أحمد عاطف وذلك ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
يعد الفيلم رسالة صادمة إلى حد بعيد فالغابة هنا ليست تلك المساحة الخضراء التي تكسوها الأشجار وتحتلها الحيوانات المفترسة.. الغابة هنا هي تلك المساحة الخفية في حياة أولاد الشوارع الذين نراهم يوميا في الأماكن العشوائية أو تحت الكباري يتعاطون الكلة أو حتى " بيعملوا دماغ نمل!! ".
نجح المخرج الشاب أحمد عاطف في اختيار موضوع شديد الحساسية والخطورة وكان جريئا إلى حد بعيد في تقديم تلك الحياة الصادمة القاتمة التي يحيّاها أولاد الشوارع بين المخدرات والزنا والسرقة والبلطجة وتلك الحرب الشعواء الدائرة فيما بينهم من أجل حفنة ملاليم أو من أجل " شنطة المخدرات ".
تدور أحداث الفيلم حول مجموعة من أولاد الشوارع متفاوتين فى الأعمار تجمعهم "الخرابة" وتتنوع طرق حصولهم على المال بين التنقيب في القمامة والسرقة وتوزيع المخدرات والدعارة، يحاول الفيلم رصد ما يدفع هؤلاء لممارسة سلوكيا ت شاذة للحصول على ما يكفي للعيش على هامش المجتمع، ويضع المخرج المجتمع والحكومة في قفص الاتهام فهما المسئولين بشكل مباشر عن تلك الظاهرة التي مازالت تنتشر بشكل كبير.
نجح مدير التصوير ببراعة في تكوين صورة قاتمة كئيبة تعكس حال أولاد الشوارع وجو الفيلم بشكل عام، وقدم عمرو إسماعيل موسيقى شديدة التميز والإحساس و قد جاءت أغنية نهاية الفيلم التي قدمها بصوته متميزة إلى حد بعيد حيث كان صوته فيها مفعما بالإحساس.
أبطال الفيلم حسب ظهور أسماءهم فى تتر البداية تصدرتهم ريهام عبد الغفور التي كانت أولى مفاجئات الفيلم بأدائها المميز لشخصية فتاة الشوارع التي ترتبط عاطفيا بـ "حموسة" أو أحمد عزمي زعيم الخرابة والمسئول عن توزيع شنطة المخدرات وتحمل منه دون زواج رسمي.
حنان مطاوع بنت الشوارع التي تعمل في الدعارة والتي تتعرض لتشويه وجهها بالموس عن طريق ريهام عبد الغفور بعد أن ضبطتها مع "حموسة" في سرير واحد قدمت دورها بأداء وإحساس رائعين بدون استعراض لجسد عاري أو إيحاءات جنسية مستفزة فجاء أداءها راق إلى حد بعيد.
أحمد عزمي "حموسة" تمرد على ملامحه الطيبة وتكوينه الجسماني الضئيل وقدم دور "حموسة" بتفهم واضح ورغبة في إثبات قدراته التمثيلية المميزة فجاء أداءه هادئا رائعا.
باسم سمرة اسم لا يحتاج للتعليق على أداءه، فقد قدم سمرة أداءا مدهشا لشخصية " التوربيني" الزعيم الأسبق للخرابة والذي يخرج من السجن في بداية الفيلم ويسعى لاستعادة مكانته في الخرابة واستعادة دوره القديم في توزيع شنطة المخدرات.. نجح باسم سمرة في التوحد مع شخصية التوربيني تماما وجعلنا ننسى أنه ممثل يقوم بأداء دور قوي في فيلم، فكنا وكأننا نشاهد أحد بلطجية الشوارع الذي تم الاستعانة به ليقدم نفسه كما هو على شاشة السينما.
الطفل مصطفى السقا هو أحد مفاجئات العمل، طفل يتمتع بموهبة كبيرة تحتاج للاهتمام.. صدقناه وتفاعلنا معه بشدة وكم كان أداءه صادقا حين قتل أبيه عقابا له على اغتصابه لأخته، وكم أدهشنا بصدق إحساسه وهو يقول عن أبيه أنه "كلب ولا يسوى".
من فيلم لآخر يثبت المخرج أحمد عاطف أنه يملك حسا سينمائيا مختلفا فمن أول أفلامه "عمر 2000" جعلنا نلتفت لمخرج واعد نأمل منه الكثير ولم يخيب عاطف ظننا وقدم في " الغابة " عملا مميزا فعرف كيف يدير حركة الكاميرا وكيف يحرك ممثليه، وعرف أيضا كيف يحول سيناريو الفيلم إلى لغة سينمائية مميزة خالية من التدني.
"الغابة" عمل مميز يقدم حياة وواقع لا نعرف عنه الكثير، فمهما شاهدنا هؤلاء الأولاد في الشوارع يفترشون الأرصفة والطرقات، ومهما تعاطفنا معهم أو نفرنا منهم، أبدا لن ندرك حقيقة الواقع المؤلم الذين يعيشوه.
تحية لكل من شارك في تقديم "الغابة" على شاشة السينما فالعمل رسالة واضحة ومباشرة لمن يهمه الأمر.
2 comments:
الفيلم فعلا قدم صورة صادمة لمجتمع موجود ولا أحد يراه ويعد الفيلم صدمة كبيرة لمن لايعرف بوجود هذه الشخصيات فى مصر فعلا
الفيلم فى مجمله قنبلة شديدة التفجير فى وجه المجتمع الذى لايعرف الطبقة العشوائية فى مصر
وهو اول فيلم اقترب بهذه الطريقة من الشوارع بدون النظرة الطفولية الشديدة الى افلام اطفال الشوارع الاخرى
الفيلم فعلا ممتاز جدا
لسه شايف نقلك للموضوع في مدونتك.. بجد انا سعيد بده.. وسعيد اكتر بفيلمك.. انا كنت في العرض الخاص الاسبوع اللي فات وحابب اشكرك تاني على الفيلم.. ويا رب تستمر دايما في تقديم سينما بالشكل ده وأقوى.. ربنا يوفقك
Post a Comment